:FlagLeb: :FlagLeb: :FlagLeb: :FlagLeb: :FlagLeb: :FlagLeb: :FlagLeb: :FlagLeb: :FlagLeb: :FlagLeb:
:NoCoT: :NoCoT: :NoCoT: :NoCoT: :NoCoT: :NoCoT: :NoCoT: :NoCoT: :NoCoT: :NoCoT: :NoCoT: :NoCoT: :NoCoT: :NoCoT: :NoCoT: :NoCoT: :NoCoT: :NoCoT:
القصر الجمهوري النائم: بيت بلا رئيس... جمهورية بلا رأس! |
عذراً. رب البيت ليس هنا. والبيت هذا ليس كما كل البيوت. هذا قصر جمهوري تحيط به الأشجار ويحفه لقب الفخامة، الأغلى. رب هذا البيت هي الجمهورية نفسها. حين عجزت عن انتاج رئيس، لم يعد للبيت من سيد. أقفل بالمفاتيح. غابت الجمهورية، ونام القصر. في «صح النوم»، يذهب الوالي إلى قصر النوم لينام. هنا القصر هو النائم. في «ناطورة المفاتيح»، يغادر الناس فيتركون الملك الظالم وحده. هنا غادر الرئيس وبقي الناس. لو قدر لعاصي الرحباني أن يرى مثل هذه الأيام، لقال إن الحبكة متأثرة بالمسرح الرحباني. ولو أننا جمهور على خشبة مسرح، لانتظرنا، في سرّنا، خاتمة سعيدة. غير أن أحداً لا يعرف خاتمة لمشهد الجمهورية التي بلا رئيس. وأن تكون الجمهورية كذلك، فهذا نعرفه من الضجة الدائمة، من المبادرات والتأجيل وشريط الأخبار. لكي نرى بأعيننا كيف تكون الجمهورية بلا رئيس، لكي نرى كيف تكون الترجمة الحرفية لهذا الفراغ، فعلينا أن نذهب إلى القصر الجمهوري. لسنا بحاجة إلى دخول الجناح الرئاسي الممنوع أصلاً عن الزوار. يكفي أن نقف أمام الباحة الرئيسية، وننظر فلا نرى علماً يرفرف في المكان الرسمي الأول في لبنان، كي نفهم أننا وصلنا إلى أسفل الدرك. نحن في بلد علمه غير مرفوع. أليس في غياب علم الجمهورية إهانة لشعبها؟ ∎∎∎ «القصر كئيب. ابوابه مقفلة. بهواته باردة. قاعاته مثلجة». يلخص الناطق باسم رئاسة الجمهورية رفيق شلالا حال القصر بثماني كلمات. هو كذلك حكماً. مذ غادر الرئيس السابق اميل لحود القصر الجمهوري في الرابع والعشرين من تشرين الثاني، توقف الزمن في الجناح الرئاسي. لم يمر عليه عيد الميلاد ولم تزين شجرته. لم تمر عليه السنة الجديدة. دخل المكان في سبات محزن. مكتب الرئيس وقاعة الاجتماعات والصالونات الملحقة وقاعة الطعام وبيته. كل هذا مغلق. غير أن القصر ليس مهجوراً. في القسم الثاني، قسم مديرية الرئاسة، بقي الحال على ما كان عليه. جهاز إداري من مدير عام للمديرية (العميد المتقاعد سالم ابو ضاهر) وخمسة مديرين آخرين يديرون خمسة مكاتب: المراسم، الشؤون القانونية والادارية، الهندسة، والإعلام. 110 موظفين يعملون في المديرية ويأتون ويغادرون يومياً وفق الدوام الرسمي، ويؤدون عملهم وفق المفترض. واجب يؤدى ولا يصل الى نهاية طبيعية لأن الرئيس ليس موجوداً. الحرس الجمهوري يقوم بعمله أيضاً. يحمي المكان ويحافظ عليه ويفتش زواره ويوصلهم الى مقاصدهم. جنوده المهذبون توسعت مهامهم بعد فراغ الرئاسة لتشمل مناطق اخرى في قضاء بعبدا. المكان هادئ، وتيرة العمل تغيرت وإن لن تتوقف. المكتب الاعلامي، مثلاً، يقوم بعمله من رصد للصحف والإذاعات والتلفزيونات والمواقع الإلكترونية، لكنه عمل أرشيفي. «لمن نقدم العمل؟ لا رئيس يوجه أو يعطي ملاحظة أو يستمع إلى اقتراح... نحن في وحشة». يقول شلالا. ∎∎∎ ككل اللبنانيين، ينتظر الموظفون الرئيس الجديد. هنا الإنتظار مضاعف لأنه من صلب العمل. النشاط الكبير الأخير الذي قام في القصر كان في وداع رئيس الجمهورية. مدير المراسم مارون حيمري يقول إن «لا مبالغة في تلك المراسم. هي مراسم الوداع المفروضة لرئيس جمهورية. لو أن الرئيس لحود تأخر لساعة عن موعد الرحيل، لأقيمت مراسم مختلفة لرئيس سابق. لذا، كان التنسيق بأن يكون الرئيس عند الباب عند انتصاف الليل. لا دقيقة ناقصة، ولا دقيقة زائدة». لم يضع الرئيس لحود وشاحاً على صدر الذي سيخلفه. حدث لم يقع. آخر مرة لهذا الحدث كانت في العام .1998 الآن، إذا ما ظهر رئيس جديد في البلاد، ولم يمدد له لاحقا، فإن مراسم «التسلم والتسليم» ستكون انتظرت 10 سنوات أخرى. يفترض بهذه المراسم أن تقع كل ست سنوات. لكن الساعة اللبنانية غير منتظمة. وكما المراسم، كذلك الاعياد. آخر أعياد القصر كان في الثاني والعشرين من تشرين الثاني. يومها هنأ الموظفون لحود بالعيد وودعوه في آن. كان من المفترض أن يكون الرؤساء الثلاثة في القصر بالطبع. نتذكره مثل هذا اليوم، تلفزيونيا على الأقل. عرض عسكري في ساحة الشهداء ثم لاحقا نقل مباشر من بعبدا، حيث يقف الرؤساء الثلاثة مصافحين الناس، ويتبادلون الابتسامات. كم يبدو المشهد مغرقاً في القدم. ∎∎∎ في الصورة المتخيلة، يقف الرجل الهادئ بالشعر الرمادي عند نافذة ما متأملاً في دبابة تشق طريقها صعوداً. ينظر الرجل في الدبابة وتمر سنواته الست في عينيه. تعلو الكآبة وجهه. ماذا كان ليفعل؟ الكوكب برمته خاض حربه هنا، في البلد الصغير. حتى قصره قصف، واضطر، هو الرئيس، أن ينزل إلى الملجأ. غير أنه هذه المرة لن يسمح لذاك المريض بتنفيذ تهديده. لن يخلي القصر، وإذا كان أرييل شارون يريد أن يدخل إلى القصر الجمهوري، فليدخل على جثة رئيس البلاد المسحوقة، فخامة الرئيس الياس سركيس. كان اجتياحاً، لكن شارون لم يدخل الى القصر. في زمن الرئيس سليمان فرنجية قصف القصر فغادره الأخير ولم يعد إليه. وسيعلن الطيران السوري نهاية الحرب الأهلية وهو يحلق فوق بعبدا مغيراً على قصرها. تعرض القصر دائماً لما تعرض له البلد واحيانا لما تعرضت له البيوت. بيت لبناني هو، نال ما نالته هذه البيوت اللبنانية. ليس قصرا مشؤوما بالضرورة. هو خالٍ فقط. الشؤم يقع في مكان آخر. في اللعنة التي لا تمل من تكرار نفسها. هو يتلقى اللعنات. وهو، للمفارقة، الأكثر استعداداً للرئيس الجديد من أي طرف آخر في البلد. «كل شيء حاضر. مستعدون لاستقبال الرئيس بعد دقيقة من ادائه القسم». هذا ما يقوله مدير المراسم السفير مارون حيمري. الكرة اذا في ملاعب أخرى، تبدو ما زالت بعيدة عن القصر في بعبدا. |