"وطني دائماً على حق"
النهار 15/5/1969
"هذا النداء يدعوني اليه واجب مقدس يحتم إشراككم في مصير وطن مهدد في كيانه وكينونته بنيناه معاً بعد أن أرسى قواعده الأباء والأجداد.
ذلك بأنه في غمرة الأحداث التي تتجاذب شرقنا العربي، ثمة رغبات عديدة تتضافر عمداً أو عرضاً على صدع هذا الوطن وتمزيق أوصاله.
فمن رغبة عدو جاثم يجد في هذا الصراع أفضل مبرر لدولة عنصرية يحاول إنشاءها ولا يرضى عنها بديلاً،
إلى تخطيط لبعض الدول يرمي، في محاولة حل لمشاكل المنطقة الى تغيير خريطتها وإنشاء الدويلات العنصرية فيها،
إلى تهديد باستعمال 250000 فلسطيني ضد بلد أضافهم في أرضه برغم ضيقها وضيق إمكاناته،
الى غوغائية تجد في تحرير الأوطان اللباس الأفضل لتنفيذ مآربها،
الى تهمة بأن الفئة المسيحية في لبنان غير جادة في تحرير فلسطين وكأن هذه الأرض المقدسة ليست بأرض المسيح ربها وإلهها. فهل نقبل نحن المسيحيين العرب بأن تقفل أبواب القدس في وجهنا لأول مرة بعد الفي سنة؟ قضية فلسطين قضية جميع العرب دون استثناء وفي طليعتهم خمسة عشر مليون مسيحي.
قضية فلسطين هي كذلك قضية لبنان. وإن لبنان لواضع في سبيلها جميع إمكاناته الفعالة التي تميزه: صداقاته في العالم، وقد تسنى للقضية العربية تقدير أهميتها إثر حادث مطار بيروت، ووسائله الإعلامية بالنظر الى انتشار ثلاثة ملايين من بنيه عبر العالم، وللمراكز المرموقة التي يتبوأونها فيه، ولإمكانات أهله في تفهم وإقناع العقليتين الغربية والشرقية، وقد تسنى للقضية العربية تقدير أهمية الحرب الدعائية التي أتاحت لإسرائيل كسب المعركة في أذهان الناس قبل مباشرتها في ساحات القتال.
والآن يطلب لبنان ما يأتي:
إطلاق حرية العمل الفدائي دون أية شروط للتحرك في الأراضي اللبنانية.
رفع الحصار من المخيمات والسماح للفلسطينيين بالعمل وفقاً لتوجيهات القيادات الفدائية.
إطلاق الفلسطينيين الموقوفين.
رفض مبدأ التنسيق لأنه يتنافى مع سرية العمل الفدائي والاكتفاء بتبادل الرأي.
إن قيادة الكفاح الفلسطيني المسلح هي المرجع الطالح والأخير بالنسبة الى جميع المنظمات الفدائية.
أن المنظمات الفدائية هي التي تقرر أسلوب عملها وتضع مخططات انطلاق هذا العمل وفقاً لما تراه مناسباً وضرورياً.
عدم التزام العمل الفدائي بأية مقررات أو مواقف سياسية تصدر عن أي جانب عربي قد يراها الجانب الفلسطيني غير مناسبة.
عدم تقيد العمل الفدائي برقعة محددة من الأرض كقاعدة لانطلاقه. وبعبارة أخرى، فأن ما يطلب من لبنان، البلد المضياف المنفتح، هو التنازل عن سيادته وتعريض كيانه. إذ أن القانون الدستوري يعتبر تسليم الدولة بأن توجد على أراضيها فئات مسلحة غير خاضعة لجيشها النظامي، أنما هو بحد ذاته انتقاص من سيادتها كما أن مجرد وجود هذه الفئات يشكل، في حالتنا، تعريضاً لكيانها طالما أن عدواً متاخماً متفوقاً عسكرياً يؤكد ذلك على الملأ وطالما أنه ينتظر إثبات هذا الوجود لاتخاذه ذريعة لحلمه التوسعي ولغايته المعلومة في مياهنا.
فماذا ترانا نفعل، أيها اللبناني؟
يسهل علي الجواب أني، طيلة حياتي العامة، لم أقف يوماً – برغم المصاعب والإغراءات – إلا موقف التأييد غير المشروط للوحدة الوطنية ما دامت هذه الوحدة طريق الحفاظ على السيادة والاستقلال.
أما أزمة اليوم فهي خارجة عن قابلية التسويات لأنها تتعلق بجوهر السيادة الوطنية، والسيادة غاية الوحدة الوطنية وليست الوحدة الوطنية غايتها.
لذلك، ومع تقديرنا العميق للعمل الفدائي وغايته المثلى، التي هي غايتنا، وحلاً لهذه المعضلة الشائكة، كنا في أول اجتماع لرؤساء الكتل النيابية عقد إثر الازمة الوزارية في غرفة المجلس وبناء على طلبه، أول من اقترح تنسيق العمل الفدائي على أن تتولى هذا التنسيق قيادة الجيش التي تقدّر وحدها لكل حالة ظروفها بحيث لا يتعارض ذلك مع السيادة الوطنية. إلا أن أحداً لن يسلم بأن يضحي هذا الحل موضوع مفاوضات تجري على نطاق رسمي. إنه حل عائد لإرادتنا وحدنا وخاضع لقرارنا فحسب. يا لها من سابقة خطيرة أن نرى المسؤولين اللبنانيين يتفاوضون مع الغير على سيادة الوطن ولا يجنبونا مشاهد غير مألوفة في قصر جمهوري.
موقفنا مبدئي لتعلقه بالجوهر ولا يمكن أن يتبدل لأن الجوهر لا يتبدل، وستهون عنده المهج والأرواح. وهل يمكن أن لا يكون هذا موقف كل منكم ممن وافق على هذا الكيان وارتضى بالميثاق؟.
مثل هذا الموقف أدركته جميع دول الجامعة العربية إذ أتاحت للبنان وحده، برغم وجود قيادة عليا عربية مشتركة، ان يخضع مرور الجيوش العربية المنظمة في أراضيه الى موافقة مسبقة من مجلسه النيابي.
لذلك فإن أي تصرف آخر يتنافى مع هذا الموقف سيؤدي حتماً الى الانشقاق والتجزئة التي يعمل لأجلها العدو وتقصدها بعض الدول وترمي إليها عناصر الشغب. كما أنه سيؤدي في الوقت نفسه الى خسارة كل ما يمكن أن يقدمه لبنان، ضمن سيادته، مما أسلفنا بيانه، للقضية الفلسطينية، والى خسارة هذه الأرض – الملجأ لكل من هو بحاجة إليها.
وقّانا الله شر هذه النهاية وأوحى إلينا سبل الخروج من هذه الأزمة المصيرية لئلا نضطر، بغية الدفاع عن هذا الوطن، الى أن نصبح بدورنا فدائيين. ومن أجل تفادي وقوع ما نخشاه، أرى وأظنك ترى معي:
أن تؤلف على الفور حكومة وحدة وطنية شعارها: " وطني دائماً على حق"، وتكون على مستوى الأحداث فتخرج عن شكل الحكومات المألوفة بأن تكون مثلاً حكومة تضم ثمانية وزراء دولة يتأمن بهم حل المشكلة السياسية و 16 وزيراً يتولون الحقائب الوزراية وإذا تعذر ذلك فعلينا بتأييد حكومة عسكرية موقتة للحفاظ على السيادة والكيان لتأمين السلام والاستقرار بمساندة الشعب اللبناني المؤمن بأن "وطنه دائماً على حق".
إعداد وتمويل برنامج إعلامي واسع النطاق في العالم لعرض القضية الفلسطينية ومشكلة اللاجئين وتجنيد جميع الطاقات اللبنانية المقيمة والمغتربة لهذه الغاية، وخاصة الأجيال الطالعة من ذوي الاختصاص القادرة على العمل العلمي البعيد عن الغوغائية وإعدادها لأن تكون رسلاً للقضية الفلسطينية في جميع أنحاء العالم.
الاستفادة من أمثولة ما مر من أحداث منذ الاستقلال أقنعتنا بأن العقلية السياسية التقليدية والتسويات الموقتة لم تعد صالحة وربما باتت تشكل خطراً على مستقبل البلاد. فينبغي إذاً تهيئة الشباب المتعطش الى الخدمة وفتح السبيل أمامه لبناء لبنان الحديث الذي يشتهي.
إقرار التجنيد الاجباري على وجه يتلاءم مع وضع لبنان وحاجاته، على ان يشكل حاملو الشهادات الجامعية القسم الاكبر من ظباط الجيش. وعلى كل حال فإننا جميعنا، أيها اللبناني، مجندون دوماً للذود عن سيادة الوطن واستقلاله".
... "قلت يا رشيد بك إن كل حرية لها حدود، وما من احد يخالف ذلك، لكن الحريات يجب أن تكون بالاتجاهين وبين الفريقين في الظروف الحالية، يجب أن نضحي ونحن الآن لا نبحث في ما جرى خلال الأشهر الأخيرة. إننا هنا لنبحث عن الحريات في لبنان، مر زمان سلبت فيه الحريات بقوانين. صدرت مراسيم اشتراعية سلبت حرية المواطن فيما تعطي حرية التصرف لشخص ليست لديه مسؤولية، 3 أشخاص يمنعون من الوصول إلى بيوتهم ويمنعون من المرور. ما هو مبرر حجز حرية النائب في البقاع الغربي؟
عندما اضمن أن كل مواطن لبناني يتمتع بالحرية عندئذ يطمئن بالي على أولادي. أما في ظل المراسيم الاشتراعية التي سلبت حقوق المواطنين فإننا لن نتساهل. نجتمع اليوم لحرية الصحافة، لكن هدفنا ليس فقط حرية الصحافة بل تحرير المواطن اللبناني".
"أعتقد أن الذي أوجد هذا الصراع وأوجد بالتالي المجال لتغلغل اليسار هو غباء اليمين وتحجره. إذ أن هذا اليمين بقي خارج حركة التطور التي اجتاحت العالم، فلم يتطلع الى متطلبات العصر ومقتضايته، كما انه لم يفتح عينيه على واقع الانسان كمواطن له حقوق وضمانات، انما بقي يغط في نوم عميق. فجاء اليسار، كردة فعل مباغتة، يطرح بتطرف وجموح شعارات المساواة والانصاف وتحسين الاوضاع.... يطرح شعاراته ملحاً ومتعمداً توسيع مجالات نشاطه متجاهلاً انه ليس بالامكان وضع هذه الشعارات موضع التنفيذ، ولا بالامكان تحقيق مشاريعه كلها دفعة واحدة بسرعة، لان ذلك يعني جرّ اليمين واليسار والبلاد معاً الى الانهيار والخراب.
وما الحل؟
اتمنى لو يدرك الفريقان حقيقة امكاناتهما، ويتركان للدولة فرصة وضع تصميم شامل، تنفذه على مراحل، لتحسين اوضاع جميع الفئات والطبقات. وليس من الانصاف ان يتم ذلك على حساب جيل واحد او طبقة واحدة. لأن اوضاع البلاد في حالتها الراهنة ليست وليدة الساعة ولا هي من صنع فئة معينة.
في كل حال، اذا وضعت الدولة تخطيطاً حكيماً وقامت بتنفيذه، عندئذ يرتفع الانسان في لبنان من تحت الى فوق، بدل ان ينزل الذين فوق الى تحت بحيث يصبح الجميع تحت وتصبح البلاد كلها، باقتصادها ومجتمعها وطموحها، تحت.
كل جذور الصراع من الخارج، وان لم تكن كل اسبابه من الخارج ايضاً فإن معظم دوافعها من هناك. والغاية من اهتمام "هذا" الخارج بالوضع اللبناني وبالصراع بين فئاته السياسية هي جرّ لبنان الى البلبلة الكاملة والاضطراب السياسي والاقتصادي، لكي يصبح في حالة تشبه حالتهم "المعترة" اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.
سألته: من هم الذين تعنيهم؟
قال: كل من يدعي اليسارية ويرفع شعاراتها ويعمل لها بوحي من العقائد والاشتراكيات المستوردة التي لا تنسجم ولا تتوافق مع الواقع اللبناني والانسان اللبناني والروح اللبنانية.
ودعني هنا اؤكد لك ان اللبناني، اياً كان، يعيش اشتراكياً ويطبق الاشتراكية، دون ان يكون منتمياً الى حزب ينادي بالاشتراكية "ويهيّص" لها. وانا استند في هذا القول الى حياتي الشخصية مع ابناء بلدتي ومع سائر المواطنين. كما انني استند الى نمط الحياة التي يعيشها اللبناني القروي الذي يجسّد، فعلاً لا قولاً كما هم الاشتراكيون، الاشتراكية الحقيقية. فاللبناني في طبعه وحميته واعماقه انسان اجتماعي يشاطر مواطنه، اياً كان هذا المواطن، شعوره واحساسه. يشاركه في افراحه واحزابه ويهب لمساعدته عندما يكون بحاجة الى المساعدة.
هذه هي الاشتراكية الحقيقية. والمبادىء والاشتراكيات الآنية من الخارج هي للمزايدات فقط. يستغلها البعض هنا وهناك لاغراض سياسية لا علاقة لها بالعدالة الاجتماعية وانصاف المحرومين والمعذبين والبائيسين. انها عملية استغلال، ليس اكثر.
وما دمنا في الحديث عن العدالة والاشتراكية. يقول احد متزعمي اليسار عندنا ان اربعة بالمئة فقط من اللبنانيين يعيشون حياة الترف والبحبوحة، اما الباقون فإنهم على هالهامش.
وهذا القول يذكرني بقول مشابه، ربما يكون هو المنطق بالنسبة الى بعض اصحاب الشعارات البراقة. لقد نسب الى الاب لوبريه انه اكتشف، بعد درس وبحث وتنقيب استمرت اربع سنوات، ان اربعة بالمئة فقط من اللبنانيين يعيشون مرفهين، اما الستة والتسعون بالمئة فإنهم يعيشون بقوة الاستمرار. تسلح البعض بهذه الخرافة وتمسك بها على انها حجة ضد النظام وضد الاقتصاد الحر بصورة خاصة. كما وجد فيها البعض الآخر ضالة لتبرير رفع الشعارات المتطرفة والمناداة بالاشتراكية.
اني اسأل الاب لوبريه، رحمة الله عليه، واسأل من تبنى كلامه من بعده: اين حياة البؤس في لبنان؟ اذا نظرنا الى الجبل، برغم الهجرة المتزايدة، فإننا نرى ان الذين بقوا في قراهم يعيشون الحياة الكريمة وان لم تكن هي الحياة المنشودة او الكاملة. واذا ذهبنا الى المدن، فإننا نجد حتى في الأحياء الظاهر عليها الفقر خارجياً (بيوت التنك مثلاً) نجد على سطوح هذه البيوت "انتين" التلفزيون، كما نجد في الداخل البراد والغسالة والراديو والبيك أب، مما يدل على ان حياة الـ96 ليست بؤساً كما يصورونها. وهنا احب ان اؤكد انني لا انكر وجود فقر وحرمان بين فئات تعيش على الاراضي اللبنانية انما هي ليست لبنانية. واسارع الى القول انه لا يجوز ان يفهم من كلامي انه ليس من الضروري الاسراع في تحسين اوضاع جميع المواطنين واستحداث القوانين والتشريعات التي تنصفهم.