نعمة إرسال الرسول -صلى الله عليه وسلم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
أيها الحبيب:
إن منن الله علينا عظيمة وجليلة. وعليك أيها المسلم أن تتعرف على نعم ربك، وعلى مننه وفضله عليها لكي تقوم بأداء شكره -سبحانه-.
ومن أجلِّ منن الله -تعالى- أن أرسل إلينا رسولاً من أنفسنا، من جنسنا، ويتكلم بلغتنا يدعونا، ويهدينا إلى سبيل ربنا المستقيم.
وحسبك في ذلك أيها الحبيب وصف ربك -سبحانه- رسوله -صلى الله عليه وسلم- الذي أمرنا باتباعه، وجعلنا على ملته ومن أمته (قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة:128)
فتعلَّم أيها الحبيب: أن بعث الله -تعالى- لرسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- والله إنه لمنة بل من أعظم منن الرب -تعالى- حيث قال -سبحانه-: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (آل عمران:164)
أترى أيها الحبيب
أكان لنا من سبيل لكي نتعلم ونعقل عن ربنا -سبحانه- بغير سبيل النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه هو النور الذي أرسل الله إلينا؛ لكي نهتدي به ونسعد: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة:128)
فإن هذا الرسول الكريم -والله- لحريص على هدايتنا، وعلى سعادتنا فيحب لكم الخير، ويسعى جهده في إيصاله إليكم، ويحرص على هدايتكم للإيمان، ويكره لكم الشر، ويسعى جهده في تنفيركم عنه، واستنقاذكم منه، وذلك لشدة رأفته وشفقته بالمؤمنين، فهو أرحم بهم من والديهم.
وكفى وصف ربك -سبحانه-: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) (الكهف:6)
(لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (الشعراء:3)
بل انظر أيها الحبيب
إلى بكاء نبيك وهو يبكي- أتدري فيم يبكي؟
فعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تلا قول الله -عز وجل- في إبراهيم (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
وقال عيسى -عليه السلام- (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
فرفع يديه وقال: اللهم أمتي أمتي وبكى، فقال الله -عز وجل- يا جبريل اذهب إلى محمد وربك أعلم فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل -عليه الصلاة والسلام- فقال الله -عز وجل- يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك) رواه مسلم كتاب الإيمان.
وانظر كذلك أيها الحبيب
إلى هذه الشفقة والرحمة التي عقد عليها قلب نبينا -صلى الله عليه وسلم- عندما قال: (مثلي كمثل رجل استوقد ناراً، فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي في النار يقعن فيها، وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها. قال: فذلكم مثلي ومثلكم أنا آخذ بحجزكم عن النار هلم عن النار، هلم عن النار، فتغلبوني تقحمون فيها) مسلم.
فهذا نبيك -صلى الله عليه وسلم- يدعوكم لما ينجيكم من العقاب بالتحذير عن الذنوب والمعاصي لفرط رأفته فآمنوا به واتبعوا النور الذي جاء به تهتدوا وتسعدوا ولا تكفروا وتعرضوا فتضلوا وتشقوا (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)(النور: من الآية63)
أيها الحبيب
أما ترى أن هذا النبي الكريم يستحق أن يتبع في كل ما جاء به من ربه -سبحانه-؟
أما ترى أن هذا النبي يستحق منك أن تتشبه به في أخلاقه وإيمانه وسلوكه؟ وهو الذي رقي في أعلى سلم العبودية وسلم الإيمان، ويكفيك قول ربك سبحانه-: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)
فلتسعَ أيها الحبيب أن تكون من أتباعه ولتسعى أن تكون من المستحقين أن يناولك بيده شربة من حوضه -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة.