الموسيقى
هناك فهم خاطىء للموسيقى عند غالبية المشتغلين فيها , خاصة أولئك الذين يصنفون نتاجهم تحت عنوان (الموسيقى الشرقية ) أو الغربية , ويتحدثون بموسيقى غربية وغيرها من موسيقات الموسيقى لغة لا جغرافيا لها . نغماتها في بلادنا او في أي بلاد في العالم الواسع واحدة , فنغمة الوتر تشبه تماما" نغمة المزمار . ونغمة الطبلة , ونغمة صرصار الحقول والعنادل وحناجر الناس .
والتمايز بينها يكون في الاساليب فهناك اسلوب شرقي واسلوب غربي , وهناك اساليب بدائية لموسيقات الأدغال والمناطق غير المكتشفة والتي لم تدخلها بعد الالات الموسيقية التي نعرفها
وما نستخدمه أو نسمعه من موسيقى وألحان منذ عهود الانحطاط الاول الى الانحطاط الاخير , ليس موسيقانا بمعنى ان الموسيقى السائدة لدينا بلا هوية , وهي بلا هوية لأنها لم تستطع حتى الان ان تعبر عن نفسية أنساننا المعاصر .
هناك تنويعات موسيقية فيها الكثير من التركية والهندية والأسبانية , والديسكو , والجاز مؤخرا" , تتواصل ربما مع العواطف الأتية . لكن الموسيقى ليست العاطفة فقط . وليست أبجدية لحالات المشاعر المتقلبة , انها لغة فكر , ولغة حياة , لغة النفس الانسانية ببواطنها وظواهرها , وهي لغة العقل كذلك تستمد نغماتها من تراكم حضاري هائل فينا, ومن حالات مجتمعية تصور عمق المجتمع وسطحه , وكل حجرة في عمارته الوجودية .
الموسيقى إذا" صدى لوقائع معاشة ,لحالات فكرية وفلسفية , مادية وروحية في آن واحد .
المطلوب موسيقى جديدة , موسيقىمتحررة من قيود العواطف ولأنها تحمل في نغماتها الفكر والفلسفة والمجتمع, تحمل الحب والثورة , وتصل الى مراتب السمو , والموسيقى التي توصل الى السمو والأرتقاء هي مطلبنا , لأنها حينذاك تكون مكتملة عواطفا" وفكرا" ونهوضا" بألحياة الاجتماعية .
موسيقانا ليست لنا لأنها بلا هوية , ومتى استطاع الموسيقيون لدينا الوصول الى رصد النفس السامية لأنساننا والى اصطياد الحالات الفكرية والفلسفية وتوظيفها في مواقعها الصحيحة يكونون على اول الطريق الى الصواب .
الغربيون ليسوا أكثر ابداعا" منا , ولا مجتمعاتهم تتفوق على مجتمعنا ارثا" وحضارة ورقيا" لكنهم وصلوا الى النور , ولا نزال نتخبط في الطلـمات .
الموسيقى أداة ارتقاء وهوية حقيقية تبقى في فضاءات الخلود , لكن الخوف كل الخوف ان تكون معاهدنا الموسيقية ايضا" خارج رقابة الاحساس والمعرفة , فيتسرب الينا الغش والسمين , الموسيقى واللحن هما في موقع المسؤولية تماما" كالشعر والصوت , وأمام ما نسمع من موسيقى اليوم نقف خائبين .
ولكي لا يندثر الملحن في ميزان الزمن وتميل كما لا يشتهي الكفة الراجحة , عليه ان يتوغل عميقا" في قشرة المجتمع أن يغوص الى عمق النفس والذات , أن يبحر في التاريخ وأن يحلق تجاه المستقبل .