اليكم صحابيات جليلات عاشوا في زمن الرسول
نبدا
أروى بنت عبد المطلب
سيرتها
هي أروى بنت عبد المطلب بن هاشم القرشية الهاشمية، عمّة رسول الله وهي شقيقة أبيه عبد الله، أسلمت هي وأختها صفية جميعاً، وهاجرت الى المدينة، أسلم ولدها طُليب قبلها في دار الأرقم، وكانت ممن بايع الرسول كما كانت تعضّدُ النبي -صلى الله عليه وسلم- بلسانها، وتحُضّ ابنها على نُصرته والقيام بأمره...
إسلامها
لمّا أسلم ابنها طُليب بن عمير بن وهب في دار الأرقم، توجّه إليها ليدعوها إلى الإسلام، ويبشرّها بما منّ الله تعالى عليه من التوفيق إلى الهداية إلى دينه الحق، فقال لها: (تبعْتُ محمداً -صلى الله عليه وسلم- وأسلمت لله)... فقالت له: (إنَّ أحق مَنْ وَزَرْتَ وعضدت ابن خالك! والله لو كنا نقدر على ما يقدر عليه الرجـال لتبعناه وذبَبْنـا عنه)...
فقال طُليب: (فما يمنعك يا أمي من أن تسلمي وتتبعينه؟... فقد أسلم أخوك حمزة)... فقالت أروى: (أنظر ما يصنع أخواتي ثم أكون إحداهنّ)... فقال لها: (فإني أسألك بالله تعالى إلا أتيته فسلمت عليه وصدْقتِهِ وشهدت أن لا إله إلا الله، وأن محمـداً رسول اللـه)... ثم كانت بعد ذلك تعضّدُ النبـي -صلى اللـه عليه وسلم- بلسانها، وتحُضّ ابنها علـى نُصرته والقيام بأمره -صلى اللـه عليه وسلم-...
نُصرة الدين
عرض أبو جهل وعِدّة من كفار قريش للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فآذوه فعمد طُليب بن عُمير إلى أبي جهل فضربه شجّه، فأخذوه وأوثقوه، فقام دونه أبو لهب -أخو أروى- حتى خلاّه، فقيل لأروى: (ألا ترين ابنك طُليباً وقد صيّر نفسه غرضاً دون محمد؟)... فقالت: (خير أيامه يوم يَذُبُّ عن ابن خاله، وقد جاء بالحق من عند الله)... فقالوا: (ولقد تبعْتِ محمداً؟)... قالت: (نعم)...
فخرج بعضهم إلى أبي لهب وأخبره، فأقبل حتى دخل عليها فقال: (عجباً لك ولا تباعك محمداً، وتركك دين عبد المطلب؟!)... فقالت: (قد كان ذلك، فقـم دون ابن أخيك وأعضده وامنَعْهُ، فإن يظهر أمـره فأنت بالخيار أن تدخل معه أو تكون على دينـك؟... وإن يُصَبْ كنت قد أعذرتَ في ابن أخيك)... فقال أبو لهب: (ولنا طاقة بالعرب قاطبة؟ جاء بدين مُحْدَث)... فأبى أن يُسلم...
فكانت أروى -رضي الله عنها- أعقل من أخيها أبي لهب، فقد شهدت شهادة الحق، وقامت تدافع عنه، وتذُبّ عنه بلسانها، وتشيع بين نساء قريش صدْقه وأمانته، وأنه نبي الله، وتدعوهنّ للإسلام... رضي الله عنها وأرضاها...
أُثَيْلة بنت راشد الهُذَليّة
سيرتها
رويَ أنّ حَمَل بن مالك بن النابغة الهذلي، مرَّ بأُثَيْلةَ بنت راشد وقد رفعت برقعَها عن وجهها، وهي تهش على غنمها، فلمّا أبصرها ونظر إلى جمالها أناخَ راحلته ثم عقَلَها، ثم أتاها، فذهب يُريدها عن نفسها فقالت: (مهلاً يا حَمَل!! فإنك في موضع وأنا في موضع، واخطبني إلى أبي، فإنّه لا يردّك)... فأتى عليها، فحملتْهُ فجلدَتْ به الأرض وجلست على صدره، وأخذت عليه عهداً وميثاقاً أن لا يعود، فقامت عنه...
فلم تدعه نفسَه فوثبَ عليها، ففعلت به مثل ذلك ثلاث مرات، وأخذت في الثالثة فِهْراً -حجراً- فشدختْ به رأسه، ثم ساقت غنمها، فمرّ به ركبٌ من قومه فقالوا: (يا حَمَل مَنْ فعلَ بكَ هذا؟)... قال: (راحلتي عثرت بي)... قالوا: (هذه راحلتك معقولة، وهذا فهرٌ إلى جانبك قد شُدِختَ به؟!)... قال: (هو ما أقول لكم، فاحملوني)...
فحملوه إلى منزله، فحضره الموت فقالوا: (يا حَمَل ! من نأخذ بك؟)... قال: (الناس من دمي أبرياء، غير أثيلة!!)... فلما مات جاءت هذيل الى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: (إن دم حَمَل بن مالك عند راشد)... فأرسل إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- فأتاه فقال: (يا راشد إن هذيلاً تزعم أن دمَ حَمَل عندك؟)...
وكان راشد في الشرك يسمى ظالماً، فسمّاه الرسول -صلى الله عليه وسلم- راشداً فقال: (يا رسول الله! ما قتلت!)... قالوا: (أثيلـة)... قال: (فأما أثيلـة فلا علم لي بها)... فجاء إلى أثيلـة فقال: (إن هذيلاً تزعم أن دمَ حَمَل عنـدك)... قالت: (وهل تقتل المرأة الرجلَ؟!)... ولكن رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- لا يُكْذَبُ، فجاءتْ فأخبرت النبـي -صلى اللـه عليه وسلم- فقال: (بارَكَ الله فيك)... وأهدر دَمَهُ...
أسماء بنت أبي بكر الصديق
سيرتها
أسماء بنت أبي بكر الصديـق، وأمها قتلة أو قتيلة بنت عبد العزى قرشية من بني عامر بن لؤي، وأسماء هي والدة عبد الله بن الزبير وزوجة الزبير بن العوام رضي الله عنهم أجمعين...
ذات النطاقين
لمّا أراد الرسول -صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر الصديق الهجرة إلى المدينة جهزت أسماء لهما سفرة، فاحتاجت إلى ما تشدها به، فشقت خمارها نصفين، فشدّت بنصفه السفرة، واتخذت النصف الآخر منطقاً، فقال لها الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم-: (أبدلك اللـه بنطاقك هذا نطاقين في الجنة)... فقيل لها ذات النطاقين...
الزوجة
تزوجت أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- من الزبير بن العوام، وما له في الأرض من مال ولا مملوك غير فرسه، فكانت تعلف الفرس وتكفيه مؤونته، وتدق النوى لنَاضِحِه، وتنقل النوى من أرض الزبير، حتى أرسل إليها أبو بكر خادماً فكفتها سياسة الفرس...
الأم
كانت الأم أسماء بنت أبي بكر حاملاً بعبـد الله بن الزبيـر، وهي تقطع الصحراء اللاهبة مغادرة مكة إلى المدينة على طريق الهجرة العظيم، وما كادت تبلغ (قباء) عند مشارف المدينة حتى جاءها المخاض ونزل المهاجر الجنين أرض المدينة في نفس الوقت الذي كان ينزلها المهاجرون من الصحابة، وحُمِل المولود الأول إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقبّله وحنّكه، فكان أول ما دخل جوف عبـد اللـه ريق الرسول الكريم، وحمله المسلمون في المدينة وطافوا به المدينة مهلليـن مكبرين...
الأم المربّية
في الساعات الأخيرة من حياة عبد الله بن الزبير ذهب إلى أمه أسماء، ووضع أمامها الصورة الدقيقة لموقفه ومصيره الذي ينتظره، فقالت له أمه: (يا بني أنت أعلم بنفسك، إن كنت تعلم أنك على حق وتدعو إلى حق، فاصبر عليه حتى تموت في سبيله، ولا تمكّن من رقبتك غِلمَان بني أمية، وإن كنت تعلم أنك أردت الدنيا فلبِئس العبد أنت، أهلكت نفسك وأهلكت من قُتِلَ معك)...
قال عبد الله: (والله يا أماه ما أردت الدنيا ولا رَكنْتُ إليها، وما جُرْتُ في حكم الله أبداً ولا ظلمت ولا غَدَرْت)... قالت أمه أسماء: (إني لأرجو الله أن يكون عزائي فيك حسنا إن سبَقْتَني الى الله أو سَبقْتُك، اللهم ارحم طول قيامه في الليل، وظمأه في الهواجر، وبِرّه بأبيه وبي، اللهم إني أسلمته لأمرك فيه، ورضيت بما قضيت، فأثِبْني في عبد الله بن الزبير ثواب الصابرين الشاكرين)... وتبادلا معا عناق الوداع وتحيته...
الأم الصابرة
وبعد ساعة من الزمان تلقّى الشهيد ضربة الموت، وأبى الحجّاج إلا أن يصلب الجثمان الهامد تشفياً وخِسة وقامت أم البطل وعمرها سبع وتسعون سنة لترى ولدها المصلوب، وبكل قوة وقفت تجاهه لا تريم، واقترب الحجّاج منها قائلا: (يا أماه إن أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان قد أوصاني بك خيرا، فهل لك من حاجة؟)...
فصاحت به قائلة: (لست لك بأم، إنما أنا أمُّ هذا المصلوب على الثّنِيّة، وما بي إليكم حاجة، ولكني أحدّثك حديثا سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (يخرج من ثقيف كذّاب ومُبير)... فأما الكذّاب فقد رأيناه، وأما المُبير فلا أراه إلا أنت)...
وتقدم عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- من أسماء مُعزِّيا وداعيا إياها إلى الصبر، فأجابته قائلة: (وماذا يمنعني من الصبر، وقد أُهْدِيَ رأس يحيى بن زكريا إلى بَغيٍّ من بغايا بني إسرائيل)... يا لعظمتك يا ابنة الصدّيق، أهناك كلمات أروع من هذه تقال للذين فصلوا رأس عبد الله بن الزبير عن جسده قبل أن يصلبوه؟؟...
أجل إن يكن رأس ابن الزبير قد قُدم هدية للحجاج ولعبد الملك، فإن رأس نبي كريم هو يحيى عليه السلام قد قدم من قبل هدية لـ(سالومي) بَغيّ حقيرة من بني إسرائيل، ما أروع التشبيه وما أصدق الكلمات...
أمُّ هانىء بنت أبي طالب
سيرتها
أمُّ هانىء بنت أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، ابنة عمِّ النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكانت زوجَ هُبيرة بن عمرو بن عائذ المخزومي...
الخطبة
خطب النبـي -صلى اللـه عليه وسلم- إلى أبي طالب أمَّ هانىء، وخطبها منه هُبيرة، فزوّجَ هُبيـرة، فعاتَبَه النبـي -صلى الله عليه وسلم- فقال أبو طالب: (يا ابن أخي إنّا قد صَاهَرنا إليهم، والكريم يُكافئ الكريم)... ثم فرّق الإسلام بين أمّ هانىء وهُبيرة، فخطبها النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: (والله إنّي كنتُ لأحِبُّكَ في الجاهلية، فكيف في الإسلام؟ ولكني امرأةٌ مُصْبِيَةٌ فأكره أن يؤذوك)... فقال: (خَيْرُ نساءٍ رَكِبنَ الإبلَ نساءُ قريشٍ احنَاهُ على وَلَدِ)...
وفي رواية أخرى أنها قالت: (يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لأنت أحبُّ إليّ من سمعي وبصري، وحقُّ الزوجِ عظيمٌ، وأنا أخشى أن أضيِّعَ حقَّ الزوج)... فقال الرسول الكريم الحديث...
الشفاء بنت عبد الله
سيرتها
الشفاء بنت عبد الله بن عبد شمس بن خلف بن شداد بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عـدي بن كعب القرشية العدوية، أسلمت قبل الهجرة، وهي من المهاجرات الأوَّل، وبايعت الرسـول -صلى الله عليه وسلم-، وكانت من عقلاء النساء وفضلائهن...
فراش النبي
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزورها، ويَقيْلُ عندها في بيتها، وكانت قد اتخذت له فراشاً، وإزاراً ينام فيه، فلم يزل ذلك عندَ ولدها حتى أخذه منهم مروان بن الحكم...
الرُّقْيَةَ
كانت الشفاء ترقي بالجاهلية، فقدمت بعد هجرتها الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقالت: (يا رسول الله إني قد كنت أرقي برقىً في الجاهلية فقد أردت أن أعرضها عليك ؟)... فقال: (فاعرضيها)... فعرضتها عليه وكانت ترقي من النملة فقال لها الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (علّمي حَفْصَة رُقْيَةَ النملة، كما علمتها الكتابة)... وأقطعها الرسول -صلى الله عليه وسلم- دارَها عند الحكاكين بالمدينة فنزلتها مع ابنها سليمان، وكان عمر يقدِّمها في الرأي، ويرعاها ويفضّلها...
حليمة السعدية
سيرتها
حليمة السعدية بنت أبي ذؤيب وهو عبد الله بن الحارث بن شجنة بن رزام بن ناضـرة بن سعد بن بكر بن هوازن، وهي أم الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم- من الرضاعـة...
اليتيم
خرجت حليمة مع زوجها وابنها الصغير (عبد الله بن الحارث بن عبد العزى) ترضعه في نسوة من بني سعد، تلتمس الرضعاء وذلك في سنة شهباء على حمارة ومعهم ناقة لا حليب فيها، و كانوا يرجون الفرج، فقدموا مكة، فعُرِضَ الرسول -صلى الله عليه وسلم- على جميع النسوة فأبينه لأنه يتيم ووجدت كل واحدة منهن رضيعاً رجعت به إلا حليمة السعدية فقالت: (والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ولم آخذ رضيعاً، والله لأذهبنّ إلى ذلك اليتيم فلآخذنه)... فقال لها زوجها: (لا عليك أن تفعلي عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة)...
النسمة المباركة
فذهبت حليمة السعدية وأخذت النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنها لم تجد غيره، ورجعت الى رحلها، فلما وضعته في حجرها أقبل عليه ثدياها بما شاء من لبن، فشرب حتى روي، وشرب معه أخوه حتى روي ثم ناما، وقام زوجها الى الناقة فإذا أنها لحافل، فحلبها وشربا حتى شبعا وناما، لمّا أصبحا قال لها زوجها: (تعلمي والله يا حليمة، لقد أخذت نسمة مباركة)... فقالت: (والله إني لأرجو ذلك)...
وكانت غنمها تروح عليها حين قدموا بالرسول -صلى الله عليه وسلم- معهم شباعاً لُبّناً، فيحلبوا ويشربوا، وما يحلب انسان قطرة لبن، ولا يجدها في ضرع، حتى كان القوم يقولون لرعيانهم: (ويلكم اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب)... فتروح أغنامهم جياعاً ما تبض بقطرة لبن، وتروح أغنام حليمة شباعاً لُبّناً...
الفصال
وبعد انتهاء السنتين وفصلة حليمة النبي -صلى الله عليه وسلم-، كان غلاماً جَفْراً، فعادوا به إلى أمه وهم حريصين أشدّ الحرص على مُكثه فيهم، فكلموا أمه وقالت حليمة: (لو تركت بُنيّ عندي حتى يغلظ، فإني أخشى عليه وبأ مكة)... ولم يزالوا بها حتى ردته معهم...
شق الصدر
وبعد عودتهم به بأشهر كان النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أخيه خلف بيوتهم، إذ أتى أخوه يشتد فقال لحليمة وزوجها: (ذاك أخي القرشي قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض، فأضجعـاه فشقا بطنـه، فهما يسوطانـه)... فخرجا نحوه، فوجدوه قائماً منتقعا وجهه، فالتزماه وقالا له: (مالك يا بني؟)... قال: (جاءني رجلان عليهما ثياب بيض، فأضجعاني وشقا بطني فالتمسا فيه شيئاً لا أدري ما هو)...
ورجعوا إلى خبائهم فقال الأب: (يا حليمة، لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أصيب، فألحقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك به)... وبالفعل قدموا على أمه آمنة بنت وهـب فعجِبَت من قدومهم لما عرفت من حرصهم على إبقائه معهم، وألحـت عليهم حتى عرفت السبـب فقالت لحليمة: (أفتخوفت عليه الشيطان؟)... قالت: (نعم)... قالت آمنة: (كلا، واللـه ما للشيطان عليه من سبـيل، وإن لبُنَـيَّ لشأنـاً، أفلا أخبرك خبـره؟)... قالت حليمة: (بلى)... قالت: (رأيت حين حملت به أنه خرج مني نور أضاء لي قصور بصرى من أرض الشام، ثم حملت به فوالله ما رأيت من حَمْل قط كان أخف علي ولا أيسر منه، ووقع حين ولدته وإنه لواضع يديه بالأرض رافع رأسه الى السماء، دعيه عنك وانطلقي راشدة)...
البدوية
كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالجعرانة يقسم لحماً، فأقبلت امرأة بدوية، فلمّا دَنَتْ من النبي -صلى الله عليه وسلم- بسطَ لها رداءه فجلست عليه فقيل: (من هذه؟!)... فقالوا: (هذه أمُّهُ التي أرضعتْهُ)...
خنساء بنت عمرو
سيرتها
خنساء بنت عمرو بن الشريد بن رباح بن ثعلبة بن عصية بن سليم السلميـة الشاعرة المشهورة واسمها تماضر، قدمت مع قومها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأسلمـت، وكان الرسول الكريم يستنشدها ويعجبه شعرها ويقول: (هيه يا خنساء)...
الشعر
أجمع أهل العلم بالشعر أنه لم تكن امرأة قبل الخنساء ولا بعدها أشهر منها، فقد كانت الخنساء تقول في أول أمرها البيتين أو الثلاثة حتى قتل أخوها شقيقها معاوية بن عمرو، وقتل أخيها لأبيها صخر، وكان صخر أحبهما إليها لأنه كان حليماً جواداً محبوباً في العشيرة، فقد غزا بني أسد فطعنه أبو ثور الأسدي طعنة مرض منها حولاً ثم مات، فلما قتل أخواها أكثرت من الشعر، فمن قولها في صخر: (...
أعينـيّ جُودَا ولا تَجمدا... ألا تبكيان لصخرَ الندَى
ألا تبكيان الجريّ الجميل... ألا تبكيان الفتَـى السيدَا
طويل النجاد عظيمُ الرماد... وسادَ عشيرتَـه أمـردَا
النصيحة للأبناء
حضرت الخنساء حرب القادسية و معها بنوها أربعة رجال، فوعظتهم وحرّضتهم على القتال وعدم الفرار، ومما قالت: (إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، وإنكم لابن أب واحد وأم واحدة ما حبتُ أباكم، ولا فضحتُ أخوالكم، ولا هجّنتُ حَسَبَكم، ولا غيرتُ نسبكم، وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن أنّ الدار الباقية خيرٌ من الدار الفانية... يقول الله عّز وجلَّ: {يا أيّها الذين آمنوا اصْبِروا وصابِروا ورابطوا واتقوا اللهَ لعلّكم تُفْلحون}...
فإذا أصبحتم غداً، إن شاء الله سالمين، فاغدوا إلى قتال عدوّكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين، وإذا رأيتم الحربَ قد شمّرَتْ عن ساقها، واضطرمت لظىً على سياقها، وحللت ناراً على أرواقها، فتيمَّمُوا وَطيسها، وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها، تظفروا الغُنم والكرامة في دار الخُلْد والمُقامة)...
استشهاد الأبناء
فلما أصبح الأبناء باشروا القتال واحداً بعد واحد حتى قتلوا، وكل منهم أنشد قبل أن يستشهد...
فقد قال الأول:
... يا إخوتي إن العجوز النّاصحة... قد نصحتنا إذ دعتنا البارحة
بمقالـة ذات بيـان واضحـة... وإنّما تَلْقَـونَ عندَ الصّابِحة
من آل ساسان كلاباً نابحة
وأنشد الثاني:
... إن العجـوز ذات حزم وجَلَـد... قد أمرتْنَا بالسّـدَادِ والرَّشَـد
نصيحـةً منها وَبرّاً بالولـد... فباكِرُوا الحَرْبَ حماةًفي العدد
وأنشد الثالث:
... واللهِ لا نعصي العجوزَ حَرْفَا... نُصْحاً وبِرّاً صَادِقاً ولطفا
فبادِرُوا الحربَ الضَّروسَ زَحْفاً... حتّى تَلَقَّوْا آل كسْرَى لَفّا
وأنشد الرابع:
... لسـتُ لخنساءَ ولا للأخرم... ولا لعمروٍ ذي السِّعاءِ الأقدم
أنْ لم أرِد في الجيش خنس الأعجمي... ماضٍ على الهولِ خِضَمّ حَضْرِمي
فبلغ الخنساء ما أنشد أبناؤها (وهو أكثر مما سبق) فقالت: (الحمد لله الذي شرّفني بقتْلِهم وأرجو من رَبّي أن يجمعني بهم في مُسْتَقرَّ رحمتِهِ)...
يتبع