"نوستراداموس" : العراف المعجزة "2"
ولد نوستردامس (مايكل دي نوستردامس ) في مقاطعة ( بووفانس) الواقعة جنوب فرنسا ظهيرة يوم 14 كانون اول (ديسمبر) من سنة 1503 و هو مسيحي كاثوليكي , و يقال بأن آباءه و أجداده كانوا على دين اليهودية و أمر يصعب أثباته فقد كان جده لأبيه, و هو تاجر حبوب , متزوجاً من فتاة مسيحية و كذلك فعل ابنه ( والد نوستردامس) إذ تزوج من فتاة مسيحية كاثوليكية و هو الذي يدعون بأنه تحول إلى الديانية النصرانية في سنة 1512 أي عندما بلغ ابنه البكر مايكل دي نوستردامس تسع سنوات من عمره , و قد كان لنوستردامس أربعة إخوه آخرين أكبرهم سناً. و قد أعتنى جده بتثقيفه و تعليمه , فعلمه شيئاً من الرياضيات و علم النجوم إضافة إلى اللغات اللاتينية و اليونانية . و عندما توفي جده عاد الفتى نوستردامس إلى بيت أبويه و استمر هناك في تعليمه . و في سنة 1522 أرسله أبواه إلى كلية ( مونتلبليه)
لدراسة الطب وله من العمر 19 عاماً , و بعد 3 سنوات حصل على البكالوريوس و بدأ في ممارسة الطب , و كان ذلك وقت وباء الطاعون الذي اجتاح فرنسا و خصوصاً جنوبها , و قد كان نوستردامس الطبيب معروفاً بعدم اكتراثه في مواجهة مرضى الطاعون عندما كان غيره يهربون منهم خشية العدوى , و كان قد ابتكر وصفة خاصة لعلاج المصابين بالطاعون أعطته شهرة في قدرته على الشفاء ( و كان قدر اصدر كتاباً في الطب سنة 1552 كان يحتوي على عدد من وصفاته الخاصة ) . و خلال السنوات الأربعة التالية صار ينتقل بين عدد من المدن بين فرنسا و إيطاليا و اطلع في أثناء رحلاته على عدد كبير من الكتب الخاصة بالسحر و التنجيم , عاد بعدها غلى كلية الطب في ( مونتبليه ) لإكمال الدكتواره في سنة 1529 و كان معروفأً عنه في هذه الفترة أن له إتجاهات في العلاج تخالف ما هو متعارف عليه و خصوصاً لإستعمال الحجامة في العلاج . و بعد حصوله على الدكتواره في الطب سنة 1529 إستقر به المقام في مدينة (آجين ).
في فرنسا حيث تزوج هناك من فتاة و جاءه منها ولد و بنت , و تأتي موجة جديدة لوباء الطاعون فتجتاح المنطقة التي هو فيها و ليموت ولداه و زوجته , و حيث لم يكن في قدرته إنقاذهم فقد كان ذلك كارثة عليه و على علمه هناك , و زاد في الطين بلة أن والدي زوجته أقاما عليه دعوة قضائية يطالبانه فيها بأرجاع مهر ابنتهم إليهما , و لم تقف سلسلة مشاكله عند هذا الحد و إنما جاءه أمر من محاكم التفتيش التابعة للسلطة الكنيسة الكاثوليكي’ القائمة آنذاك بالمثول امامها في مدينة (تولو ز) الفرنسية بتهمة الكفر , و هي تهمة خطيرة جداً في ذلك الوقت , و ذلم بسبب ملاحظة قد ابداها قبل ذلك بسنوات عندما وقف أمام أحدهم , و هو صانع تماثيل , و هو يصب تمثالاً من البرونز لمريم العذراء فقال له : (إنك إنما تصنع شياطين ) , و تم رفع التقارير بذلك إلى السلطات الكنيسة التي قررت مواجهته بهذه التهمة و استدعائه لمحاكمته و لكنه لم يمتثل للأمر خشية أن يؤدي به الأمر إلى أدانته و من ثم إلى سجنه أو أعدامه فهرب من مدينته و تنقل متخفياً حتى وصل إلى مدينة (سالون) الفرنسية سنة 1544 و تزوج فيها بأرملة ثلاية و جاءه منها عدد من الأودلاد و في هذه المدينة قضى ما تبقى من حياته في دار ما زالت موجودة إلى يومنا هذا . و كان قد أتخذ أعلى غرفة في هذه الدار مقراً لدراسته و اشتغاله بكتب التنجيم و السحر و الباطنية و التي أحرقها فيما بعد . و يعتقد أم من أهم مصادر الهامه كان كتاباً يدعي ( الأسرار المصرية ) و في غرفته هذه ابتدأ في وضع نبوءاته و منذ سنة 1547 و نشرها لأول مرة في سنة 1555 و بشكل غير كامل حيث احتوت على أول ثلاثة قرون (فصول) و نصف الرابع , و انتشر صيته في كل مكان و اتصل خبره بزوجة ملك فرنسا ( كاترين دي مديسي) فأرسلت إليه ليحضر إلى البلاط في باريس و هيأت له الجياد اللازمة لسفرته تلك و التي إستغرقت مدة شهر ( و هي تستغرق عادة مدة شهرين بدون مثل تلك الأعدادت ) و قابلته كما قابله الملك و أنعما عليه بشيء بسيط من المال و مكث عندهم لمدة إسبوعين عاد بعدها إلى مدينته سالون . و كانت له زيارة أخرى فيها المكوث في البلاط الملكي الفرنسي و كان التحقيق جارياً من جانب الكنيسة حول ممارسته للسحر مما جعله يختفي مرة ثانية و يعتزل في داره , و قد عاش بعدها مع مرض مفاصله المعروف بداء النقرس و هو يمارس كشف الطالع لزواره و خصوصاً الاغنياء منهم , و من الملاحظ أن التنجيم قد بلغ ذروة انتشاره ذلك الوقت
و في سنة 1564 تقرر زوجة الملك كاترين أن تقوم بجولة ملكية في أنحاء فرنسا مع عائلتها و قد استمرت جولتها هذه سنتين و كان من جملة محطاتها هي بيت نوستردامس في مدينة سالون حيث زارته في بيته بصحبة ابنهائها و تناول معه الجميع الغذاء
في يوم 2/7/1566 توفي نوستردامس و دفن قائماً في حائط كنيسة في سالون , و أثناء الثورة الفرنسية نبش بعض الجنود قبر نوستردامس و أخرجوا نعشه و لكن رُمته دُفنت مرة ثانية في كنيسة أخرى في سالون ( كنيسة سانت لورن ) حيث لا يزال قبره موجوداً مع رسم له يعلو الضريح
معاني مختلفة في رؤية المستقبل
إننا ككائنات بشرية تعيش أكثر الوقت في المستقبل , حاضرنا غالباً ما ينساق وراء رؤيتنا لمستقبلنا , و تجري الذات الإنسانية بشكل مستمر في سبيل تحقيق أهداف تتصورها لمستقبلها , و كلما كان تصورنا لأهداف المستقبل أوضح و أجلى في تفاصيله و جزئياته , كلما كانت همتنا و عزيمتنا و إصرارنا أقوى كلما كان بالإمكان تحقيق هذه الأهداف المرغوبة و المطلوبة بدرجة أعلى من الإمكانية . كذلك فأننا في خطوات حياتنا المهمة نحاول أن نتعرف على إمكانيات المستقبل و احتمالات ما سيحصل لنا فيما لو اتخذنا هذه الخطوة أو تبنينا هذه السياسة أو تلك , فإن كانت تحفها المخاطر في المستقبل و احتمالات ما سيحصل لنا فيما لو اتخذنا هذه الخطوة أو تبنينا هذه السياسة أو تلك , فإن كانت إمكانية النجاح و السعادة فيها أخذنا بها و تبنيناها , و يساعدنا على هذا المنهج في حياتنا كبشر هو أن كل ما يجري من حولنا إنما يجري وفق نواميس أو علاقة السبب بالأثر و المقدمة بالنتيجة , مما يعطي الإنسان قدرة فائقة للغاية في السيطرة على الطبيعة و البيئة التي تحيط به بكل أنواعها و التحكم بدرجة التأثير التي يبغيها من هذا السبب أو ذاك .
هذا الأمر إذن يدخل كجزء من تركيبتنا الخاصة كبشر , و نمارسه كلنا و لكن بدرجات تختلف كبراً و صغراً بحسب كبر أو صغر هممنا و عزائمنا . و لكن هناك نوع آخر من الرؤية المستقبلية و هي أن يشاهد أحدهم حوادث ستجري بعد عشرة سنوات أو بعد مائة سنة من ساعة رؤيته , و هي قدرة ثبت وجودها لدى عدد من الناس و بدرجات متفاوتة , و يبدو أنها قريبة من ملكة أخرى أكثر شيوعاً منها و هي ما يعرف بالإستبصار و التي يقال عنها بأنها موجودة لدى كل واحد منا و لكنها إنما تنمو و تتطور دون البقية منهم لعلةٍ غير معروفة .
و الاستبصار هو الإحساس بحوادث تجري بعيداً و لمسافات قد تطول أو تقصر و يتم إدراكها من دون استعمال أعضاء حس معروفة و هي إما أن تكون قد حصلت في اللحظة التي تم بها إدراكها من جانب الشخص المستبصر أو أنها بعد لم تحصل دائماً يتم حصولها في يوم أو يومين أو أكثر من ذلك من ساعة الإحساس بها . و من الشائع تجد بعض الناس ممن يحصل لديهم إحساس مفاجيء أو ومضة معرفة حول أمر يحصل بعيداً عنهم ( مثل حادث أصاب أحد أهلهم أو أصدقائهم ) , و قد يكون هذا الإحساس أو الإدراك الفجائي على هيئة حلم مما يراه النائم أو أثناء حالة تشبه حلم اليقظة أو أن تكون أحساساً بديهياً أولياً .
و هي تشبه بدورها ملكة ( التلباثي ) أو القدرة على الاتصال على البعد أو قل أنهما من معدن واحد و ينبعان من موهبة واحدة , و لكن الفرق بينهما هو و أن التلباثي أو الاتصال على البعد هو عبارة عن انتقال فكرة أو صورة من شخص إلى آخر أو هي قدرة أحدهما على تسلم ما يدور في ذهن الآخر , أما الاستبصار فهو إدراك مباشر لحادثة وقعت في مكان آخر .
و هناك عدد من التجارب التي أجريت منذ سنة 1930 و إلى اليوم و هي تشير إلى أن الاستبصار هو قدرة بشرية موجودة بالفعل . و تشير التجربة إلى أن كلا من الاستبصار و التلباثي هما في الأساس إمكانية واحدة , الأول هو إدراك فوق الحسي لحوادث أو حالات موضوعية و الثاني هو إدراك لحالات فكرية أو نفسية أو تصورية عند الآخرين . و يبدو من هذه التجارب أن هذه القابلية موجودة عند البشر بشكل واسع , و قد اكتشفوا في خصوصها عوامل تقويها إلى جانب عوامل أخرى تضعفها , فمن جملة ما يضعفها هو : الملل , انشغال الذهن و شروده , استعمال المواد المخدرة , الرتابة . كما أن من العوامل التي تؤدي إلى شحذ هذه الطاقة و تقويتها هو : إثابة و مكافأة من يمارسها , التعاون معه , ظروف مختبرية مناسبة .
كما أن من غير المعروف ما هي طبيعة و نوعية الخصائص الشخصية و النفسية التي تصلح أن تكون دليلاُ على من يمتلك هذه القدرة بشكلها النامي المتطور .
و من الواضح أننا نتحدث هنا عن قدرة أو ملكة تختلف تماماً عن مسألة التنبؤ المنطقي و العقلاني لما يمكن أن يأتي به المستقبل في مختلف المجالات العملية منها أو السياسية أو الاجتماعية و التي مارسها المفكرون على مر التاريخ , و قد أشتهر منهم في التاريخ القريب الكاتب الروائي أج . جي . ويلز المتوفى سنة 1946 و الذي كتب عن تصوراته للمستقبل على مدى خمسين عاماً من حياته و توقع فيها بناء الغواصة و المركبة الفضائية و وصول الإنسان إلى القمر و غير ذلك , كما اشتهر منهم الكاتب الروائي جورج أوروِل و خصوصاً في روايته التي أسمها 1984 و التي كتبها سنة 1943 و وضع فيها جملة تصوراته عن مستقبل العالم في الثمانينات , و غيرهما . و كما ذكرنا فقد كثرت الدراسات و البحوث في العقود الأخيرة حول هذا الموضوع و حول تفسير هذه الظاهرة , و بالإضافة إلى ذلك فإن عدداً ممن امتلك هذه الموهبة و وجد في نفسه هذه القدرة الغريبة على استكشاف المستقبل و رؤيته قد كتب في تجربته هذه و في طبيعة ما يجري له أثناء عملية الرؤية هذه .
و يتلخص ما ذكروه في أن وعي المستبصر و ذاته تنشطر إلى شطرين , شطر يبقى مع جسمه و شطر يتسامى و يعلو , و تتمثل في هذا الشطر الثاني القدرة على الاستبصار و على استكشاف العالم الخارجي بشكل أوسع و أعمق و أقرب إلى معدن المعرفة و هو يحس في نفس الوقت بأن كلا الشطرين يعودان له و أنهما ما زالا من الأنا . و من الحالات التي يعيشها هذا الوعي الثاني العلوي هو أن يكون في حالة يكون فيها الزمان و المكان وحدةً واحدةً مما يجعله يحس بأنه " حر في البعد الزمني للفضاء " بحسب تعبير أحدهم , فهو يحس بأنه قادر على رؤية مساحة زمنية أوسع من الحاضر. و هذا يقودنا إلى نظرية تحاول أن تفهم معنى الزمن و تستكشف طبيعة إدراكنا له فتقول بأن الزمن ليس هو كما يبدو لنا سلسلة متتالية من النقاط , ثانية تتلوها ثانية و دقيقة بعد دقيقة , و إنما هو منبسط على مساحة واسعة يجري فيها الماضي و الحاضر و المستقبل بشكل متوازٍ و إنما هو وعينا الذي ينتقل بين هذه المستويات , إننا نفهم الحاضر على أنه هذه اللحظة التي نكون فيها في وعينا اليقظ على العالم الخارجي و الداخلي , أنه هذه الثانية التي ستصير ماضياً بعد ثانية أخرى من الحاضر. و لكن و حسب هذه النظرية فإن ما نسميه حاضراً سوف ينبسط و يمتد و يتمطى إلى درجة كبيرة أثناء النوم حتى أن مساحته قد تشمل شهوراً أو سنين من الزمن مما هو ماضي و مستقبل و حاضر على السواء , و من هنا صار للأحلام و الرؤى التي يراها النائم دوراً في كشف المستقبل لدى الكثيرين . و بموجب هذه النظرية فإن وعينا على الحاضر و فهمه كنقطة واحدة أو كلحظة واحدة ما هو إلا بسبب تركيزنا لانتباهنا على هذه اللحظة بسبب طبيعة الحياة التي نعيشها و التي تفرض علينا عملية الترشيح هذه بحيث أنها صارت عادة الجهاز العصبي عندنا أن يستبعد كل شيء ما عدا هذه اللحظة التي نكون فبها.
و من الواضح أن هذا كله لا يصلح تفسيراً لهذه الظاهرة و إنما هو تحليل و وصف لها و يبقى أمرها مستغلقاً شأنها في ذلك شأن الفكر و شأن العقل و الحس. فإننا عندما
نقول "إدراك" "فكر" "تقييم" فإننا نتحدث عن أشياء هي موجودة عندنا بالفعل أو هي ملامح من وجودنا كموجودات و لكننا لا نعرف لها ماهيةً و لا نعرف ما هي طبيعتها , الفكر لا يعرف ما هو الفكر و الفهم و لا يفهم ما هو الفهم و الإدراك , و العقل لا يفهم ما هو العقل , إنها أشياء وجودها هو ذات نشاطها و عملها , فإذا أراد الإنسان أن يفهمها وجد أنها قد اختفت بمجرد أن يستدير الفكر إلى نفسه ليدرك طبيعته و ليفهم ذاته, أو لوجد أنه إنما يشرح جثة هامدة بلا حياة, إنها قوى موجودة بالفعل , و نشاطها و عملها هو عين وجودها , و هي في نفس الوقت تأبي الإدراك و الفهم على الإطلاق , فهي من المجاهيل المستغلقة حقاً. ..
ولد نوستردامس (مايكل دي نوستردامس ) في مقاطعة ( بووفانس) الواقعة جنوب فرنسا ظهيرة يوم 14 كانون اول (ديسمبر) من سنة 1503 و هو مسيحي كاثوليكي , و يقال بأن آباءه و أجداده كانوا على دين اليهودية و أمر يصعب أثباته فقد كان جده لأبيه, و هو تاجر حبوب , متزوجاً من فتاة مسيحية و كذلك فعل ابنه ( والد نوستردامس) إذ تزوج من فتاة مسيحية كاثوليكية و هو الذي يدعون بأنه تحول إلى الديانية النصرانية في سنة 1512 أي عندما بلغ ابنه البكر مايكل دي نوستردامس تسع سنوات من عمره , و قد كان لنوستردامس أربعة إخوه آخرين أكبرهم سناً. و قد أعتنى جده بتثقيفه و تعليمه , فعلمه شيئاً من الرياضيات و علم النجوم إضافة إلى اللغات اللاتينية و اليونانية . و عندما توفي جده عاد الفتى نوستردامس إلى بيت أبويه و استمر هناك في تعليمه . و في سنة 1522 أرسله أبواه إلى كلية ( مونتلبليه)
لدراسة الطب وله من العمر 19 عاماً , و بعد 3 سنوات حصل على البكالوريوس و بدأ في ممارسة الطب , و كان ذلك وقت وباء الطاعون الذي اجتاح فرنسا و خصوصاً جنوبها , و قد كان نوستردامس الطبيب معروفاً بعدم اكتراثه في مواجهة مرضى الطاعون عندما كان غيره يهربون منهم خشية العدوى , و كان قد ابتكر وصفة خاصة لعلاج المصابين بالطاعون أعطته شهرة في قدرته على الشفاء ( و كان قدر اصدر كتاباً في الطب سنة 1552 كان يحتوي على عدد من وصفاته الخاصة ) . و خلال السنوات الأربعة التالية صار ينتقل بين عدد من المدن بين فرنسا و إيطاليا و اطلع في أثناء رحلاته على عدد كبير من الكتب الخاصة بالسحر و التنجيم , عاد بعدها غلى كلية الطب في ( مونتبليه ) لإكمال الدكتواره في سنة 1529 و كان معروفأً عنه في هذه الفترة أن له إتجاهات في العلاج تخالف ما هو متعارف عليه و خصوصاً لإستعمال الحجامة في العلاج . و بعد حصوله على الدكتواره في الطب سنة 1529 إستقر به المقام في مدينة (آجين ).
في فرنسا حيث تزوج هناك من فتاة و جاءه منها ولد و بنت , و تأتي موجة جديدة لوباء الطاعون فتجتاح المنطقة التي هو فيها و ليموت ولداه و زوجته , و حيث لم يكن في قدرته إنقاذهم فقد كان ذلك كارثة عليه و على علمه هناك , و زاد في الطين بلة أن والدي زوجته أقاما عليه دعوة قضائية يطالبانه فيها بأرجاع مهر ابنتهم إليهما , و لم تقف سلسلة مشاكله عند هذا الحد و إنما جاءه أمر من محاكم التفتيش التابعة للسلطة الكنيسة الكاثوليكي’ القائمة آنذاك بالمثول امامها في مدينة (تولو ز) الفرنسية بتهمة الكفر , و هي تهمة خطيرة جداً في ذلك الوقت , و ذلم بسبب ملاحظة قد ابداها قبل ذلك بسنوات عندما وقف أمام أحدهم , و هو صانع تماثيل , و هو يصب تمثالاً من البرونز لمريم العذراء فقال له : (إنك إنما تصنع شياطين ) , و تم رفع التقارير بذلك إلى السلطات الكنيسة التي قررت مواجهته بهذه التهمة و استدعائه لمحاكمته و لكنه لم يمتثل للأمر خشية أن يؤدي به الأمر إلى أدانته و من ثم إلى سجنه أو أعدامه فهرب من مدينته و تنقل متخفياً حتى وصل إلى مدينة (سالون) الفرنسية سنة 1544 و تزوج فيها بأرملة ثلاية و جاءه منها عدد من الأودلاد و في هذه المدينة قضى ما تبقى من حياته في دار ما زالت موجودة إلى يومنا هذا . و كان قد أتخذ أعلى غرفة في هذه الدار مقراً لدراسته و اشتغاله بكتب التنجيم و السحر و الباطنية و التي أحرقها فيما بعد . و يعتقد أم من أهم مصادر الهامه كان كتاباً يدعي ( الأسرار المصرية ) و في غرفته هذه ابتدأ في وضع نبوءاته و منذ سنة 1547 و نشرها لأول مرة في سنة 1555 و بشكل غير كامل حيث احتوت على أول ثلاثة قرون (فصول) و نصف الرابع , و انتشر صيته في كل مكان و اتصل خبره بزوجة ملك فرنسا ( كاترين دي مديسي) فأرسلت إليه ليحضر إلى البلاط في باريس و هيأت له الجياد اللازمة لسفرته تلك و التي إستغرقت مدة شهر ( و هي تستغرق عادة مدة شهرين بدون مثل تلك الأعدادت ) و قابلته كما قابله الملك و أنعما عليه بشيء بسيط من المال و مكث عندهم لمدة إسبوعين عاد بعدها إلى مدينته سالون . و كانت له زيارة أخرى فيها المكوث في البلاط الملكي الفرنسي و كان التحقيق جارياً من جانب الكنيسة حول ممارسته للسحر مما جعله يختفي مرة ثانية و يعتزل في داره , و قد عاش بعدها مع مرض مفاصله المعروف بداء النقرس و هو يمارس كشف الطالع لزواره و خصوصاً الاغنياء منهم , و من الملاحظ أن التنجيم قد بلغ ذروة انتشاره ذلك الوقت
و في سنة 1564 تقرر زوجة الملك كاترين أن تقوم بجولة ملكية في أنحاء فرنسا مع عائلتها و قد استمرت جولتها هذه سنتين و كان من جملة محطاتها هي بيت نوستردامس في مدينة سالون حيث زارته في بيته بصحبة ابنهائها و تناول معه الجميع الغذاء
في يوم 2/7/1566 توفي نوستردامس و دفن قائماً في حائط كنيسة في سالون , و أثناء الثورة الفرنسية نبش بعض الجنود قبر نوستردامس و أخرجوا نعشه و لكن رُمته دُفنت مرة ثانية في كنيسة أخرى في سالون ( كنيسة سانت لورن ) حيث لا يزال قبره موجوداً مع رسم له يعلو الضريح
معاني مختلفة في رؤية المستقبل
إننا ككائنات بشرية تعيش أكثر الوقت في المستقبل , حاضرنا غالباً ما ينساق وراء رؤيتنا لمستقبلنا , و تجري الذات الإنسانية بشكل مستمر في سبيل تحقيق أهداف تتصورها لمستقبلها , و كلما كان تصورنا لأهداف المستقبل أوضح و أجلى في تفاصيله و جزئياته , كلما كانت همتنا و عزيمتنا و إصرارنا أقوى كلما كان بالإمكان تحقيق هذه الأهداف المرغوبة و المطلوبة بدرجة أعلى من الإمكانية . كذلك فأننا في خطوات حياتنا المهمة نحاول أن نتعرف على إمكانيات المستقبل و احتمالات ما سيحصل لنا فيما لو اتخذنا هذه الخطوة أو تبنينا هذه السياسة أو تلك , فإن كانت تحفها المخاطر في المستقبل و احتمالات ما سيحصل لنا فيما لو اتخذنا هذه الخطوة أو تبنينا هذه السياسة أو تلك , فإن كانت إمكانية النجاح و السعادة فيها أخذنا بها و تبنيناها , و يساعدنا على هذا المنهج في حياتنا كبشر هو أن كل ما يجري من حولنا إنما يجري وفق نواميس أو علاقة السبب بالأثر و المقدمة بالنتيجة , مما يعطي الإنسان قدرة فائقة للغاية في السيطرة على الطبيعة و البيئة التي تحيط به بكل أنواعها و التحكم بدرجة التأثير التي يبغيها من هذا السبب أو ذاك .
هذا الأمر إذن يدخل كجزء من تركيبتنا الخاصة كبشر , و نمارسه كلنا و لكن بدرجات تختلف كبراً و صغراً بحسب كبر أو صغر هممنا و عزائمنا . و لكن هناك نوع آخر من الرؤية المستقبلية و هي أن يشاهد أحدهم حوادث ستجري بعد عشرة سنوات أو بعد مائة سنة من ساعة رؤيته , و هي قدرة ثبت وجودها لدى عدد من الناس و بدرجات متفاوتة , و يبدو أنها قريبة من ملكة أخرى أكثر شيوعاً منها و هي ما يعرف بالإستبصار و التي يقال عنها بأنها موجودة لدى كل واحد منا و لكنها إنما تنمو و تتطور دون البقية منهم لعلةٍ غير معروفة .
و الاستبصار هو الإحساس بحوادث تجري بعيداً و لمسافات قد تطول أو تقصر و يتم إدراكها من دون استعمال أعضاء حس معروفة و هي إما أن تكون قد حصلت في اللحظة التي تم بها إدراكها من جانب الشخص المستبصر أو أنها بعد لم تحصل دائماً يتم حصولها في يوم أو يومين أو أكثر من ذلك من ساعة الإحساس بها . و من الشائع تجد بعض الناس ممن يحصل لديهم إحساس مفاجيء أو ومضة معرفة حول أمر يحصل بعيداً عنهم ( مثل حادث أصاب أحد أهلهم أو أصدقائهم ) , و قد يكون هذا الإحساس أو الإدراك الفجائي على هيئة حلم مما يراه النائم أو أثناء حالة تشبه حلم اليقظة أو أن تكون أحساساً بديهياً أولياً .
و هي تشبه بدورها ملكة ( التلباثي ) أو القدرة على الاتصال على البعد أو قل أنهما من معدن واحد و ينبعان من موهبة واحدة , و لكن الفرق بينهما هو و أن التلباثي أو الاتصال على البعد هو عبارة عن انتقال فكرة أو صورة من شخص إلى آخر أو هي قدرة أحدهما على تسلم ما يدور في ذهن الآخر , أما الاستبصار فهو إدراك مباشر لحادثة وقعت في مكان آخر .
و هناك عدد من التجارب التي أجريت منذ سنة 1930 و إلى اليوم و هي تشير إلى أن الاستبصار هو قدرة بشرية موجودة بالفعل . و تشير التجربة إلى أن كلا من الاستبصار و التلباثي هما في الأساس إمكانية واحدة , الأول هو إدراك فوق الحسي لحوادث أو حالات موضوعية و الثاني هو إدراك لحالات فكرية أو نفسية أو تصورية عند الآخرين . و يبدو من هذه التجارب أن هذه القابلية موجودة عند البشر بشكل واسع , و قد اكتشفوا في خصوصها عوامل تقويها إلى جانب عوامل أخرى تضعفها , فمن جملة ما يضعفها هو : الملل , انشغال الذهن و شروده , استعمال المواد المخدرة , الرتابة . كما أن من العوامل التي تؤدي إلى شحذ هذه الطاقة و تقويتها هو : إثابة و مكافأة من يمارسها , التعاون معه , ظروف مختبرية مناسبة .
كما أن من غير المعروف ما هي طبيعة و نوعية الخصائص الشخصية و النفسية التي تصلح أن تكون دليلاُ على من يمتلك هذه القدرة بشكلها النامي المتطور .
و من الواضح أننا نتحدث هنا عن قدرة أو ملكة تختلف تماماً عن مسألة التنبؤ المنطقي و العقلاني لما يمكن أن يأتي به المستقبل في مختلف المجالات العملية منها أو السياسية أو الاجتماعية و التي مارسها المفكرون على مر التاريخ , و قد أشتهر منهم في التاريخ القريب الكاتب الروائي أج . جي . ويلز المتوفى سنة 1946 و الذي كتب عن تصوراته للمستقبل على مدى خمسين عاماً من حياته و توقع فيها بناء الغواصة و المركبة الفضائية و وصول الإنسان إلى القمر و غير ذلك , كما اشتهر منهم الكاتب الروائي جورج أوروِل و خصوصاً في روايته التي أسمها 1984 و التي كتبها سنة 1943 و وضع فيها جملة تصوراته عن مستقبل العالم في الثمانينات , و غيرهما . و كما ذكرنا فقد كثرت الدراسات و البحوث في العقود الأخيرة حول هذا الموضوع و حول تفسير هذه الظاهرة , و بالإضافة إلى ذلك فإن عدداً ممن امتلك هذه الموهبة و وجد في نفسه هذه القدرة الغريبة على استكشاف المستقبل و رؤيته قد كتب في تجربته هذه و في طبيعة ما يجري له أثناء عملية الرؤية هذه .
و يتلخص ما ذكروه في أن وعي المستبصر و ذاته تنشطر إلى شطرين , شطر يبقى مع جسمه و شطر يتسامى و يعلو , و تتمثل في هذا الشطر الثاني القدرة على الاستبصار و على استكشاف العالم الخارجي بشكل أوسع و أعمق و أقرب إلى معدن المعرفة و هو يحس في نفس الوقت بأن كلا الشطرين يعودان له و أنهما ما زالا من الأنا . و من الحالات التي يعيشها هذا الوعي الثاني العلوي هو أن يكون في حالة يكون فيها الزمان و المكان وحدةً واحدةً مما يجعله يحس بأنه " حر في البعد الزمني للفضاء " بحسب تعبير أحدهم , فهو يحس بأنه قادر على رؤية مساحة زمنية أوسع من الحاضر. و هذا يقودنا إلى نظرية تحاول أن تفهم معنى الزمن و تستكشف طبيعة إدراكنا له فتقول بأن الزمن ليس هو كما يبدو لنا سلسلة متتالية من النقاط , ثانية تتلوها ثانية و دقيقة بعد دقيقة , و إنما هو منبسط على مساحة واسعة يجري فيها الماضي و الحاضر و المستقبل بشكل متوازٍ و إنما هو وعينا الذي ينتقل بين هذه المستويات , إننا نفهم الحاضر على أنه هذه اللحظة التي نكون فيها في وعينا اليقظ على العالم الخارجي و الداخلي , أنه هذه الثانية التي ستصير ماضياً بعد ثانية أخرى من الحاضر. و لكن و حسب هذه النظرية فإن ما نسميه حاضراً سوف ينبسط و يمتد و يتمطى إلى درجة كبيرة أثناء النوم حتى أن مساحته قد تشمل شهوراً أو سنين من الزمن مما هو ماضي و مستقبل و حاضر على السواء , و من هنا صار للأحلام و الرؤى التي يراها النائم دوراً في كشف المستقبل لدى الكثيرين . و بموجب هذه النظرية فإن وعينا على الحاضر و فهمه كنقطة واحدة أو كلحظة واحدة ما هو إلا بسبب تركيزنا لانتباهنا على هذه اللحظة بسبب طبيعة الحياة التي نعيشها و التي تفرض علينا عملية الترشيح هذه بحيث أنها صارت عادة الجهاز العصبي عندنا أن يستبعد كل شيء ما عدا هذه اللحظة التي نكون فبها.
و من الواضح أن هذا كله لا يصلح تفسيراً لهذه الظاهرة و إنما هو تحليل و وصف لها و يبقى أمرها مستغلقاً شأنها في ذلك شأن الفكر و شأن العقل و الحس. فإننا عندما
نقول "إدراك" "فكر" "تقييم" فإننا نتحدث عن أشياء هي موجودة عندنا بالفعل أو هي ملامح من وجودنا كموجودات و لكننا لا نعرف لها ماهيةً و لا نعرف ما هي طبيعتها , الفكر لا يعرف ما هو الفكر و الفهم و لا يفهم ما هو الفهم و الإدراك , و العقل لا يفهم ما هو العقل , إنها أشياء وجودها هو ذات نشاطها و عملها , فإذا أراد الإنسان أن يفهمها وجد أنها قد اختفت بمجرد أن يستدير الفكر إلى نفسه ليدرك طبيعته و ليفهم ذاته, أو لوجد أنه إنما يشرح جثة هامدة بلا حياة, إنها قوى موجودة بالفعل , و نشاطها و عملها هو عين وجودها , و هي في نفس الوقت تأبي الإدراك و الفهم على الإطلاق , فهي من المجاهيل المستغلقة حقاً. ..